Monthly Archives: ديسمبر 2013

هل تمثل القوى المتصارعة في سوريا مطالب الشعب؟

08e74bf9-d2b1-480a-a46e-4eff24d31b46

تبدو الأمور مشوشة في الثورة السورية الآن، بعد أن تداخلت التناقضات الداخلية مع التدخلات الإقليمية والدولية، فضاعت “روح” الثورة وتشوشت مطالبها. فما هي أهداف الثورة؟ أو ما هي الأسباب التي فرضت على قطاع كبير من الشعب أن يتمرّد؟ وهل ما زالت تحكم مسار الثورة؟ وكيف وصلنا إلى الوضع المشوش القائم الآن؟

ربما ليس من السهل سرد الظروف التي أوجدت هذا الوضع المشوش، والذي جعل كل ما هو ضروري الآن هو وقف القتل، والتدمير والعنف، وإعادة الحياة لقطاع كبير بات يعيش حالة التشرد أو العجز عن العمل بعد موت الحياة الاقتصادية، وبالتالي الوصول إلى متنفس فقط.

فقد كانت الثورة السورية “مفصل تعقيدات العالم”، أو هكذا بدت، الأمر الذي فرض كل التدخلات التي جرت، لا من أجل إسقاط النظام كما طالب الشعب، ولا من أجل الحرية والديمقراطية كما يطالب البعض، ولا كذلك من أجل إخراج سوريا من “حلف المقاومة والممانعة” (كما يسمى من قبل الطائفيين، الحلف الشيعي)، بل إن هدفها الجوهري هو سحق الثورة بعد أن امتدّ لهيب الثورات من تونس إلى مصر، ومن ثم البحرين واليمن وليبيا، إلى سوريا، مع حراك كبير في المغرب والجزائر والأردن والعراق.

وهو الوضع الذي دفع نحو تحويل الثورة إلى صراعات “طائفية” كما أرادت كل الأطراف تلك، و”عصابات مسلحة” كما أرادت السلطة، وإلى تشريد أكثر من ثلث الشعب، وقتل مئات الآلاف، واعتقال أكثر من ذلك. ولكن أيضا إلى الدفع نحو إفشال الثورة، أو الشعور بالحاجة إلى متنفس فقط.

لم يكون “المنظور الأصولي” محركا في الثورة السورية، ولم يكن متواجدا في فاعليات الثورة أصلا. فقد كان السبب الذي حرّك قطاعا من الشباب الذي تحمّس لما جرى في تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا، هو الشعور بالحاجة إلى الحرية، حيث واجه شعار السلطة “الله، سوريا، بشار وبس” بشعار “الله، سوريا، حرية وبس”، أي وضع الحرية مقابل بشار ممثل سلطة استبدادية شمولية حكمت عقودا، وسحقت شموليته كل أحلام ومطامح الشباب، وخصوصا الفئات الوسطى التي تحرّكت من أجل الحرية.

الحرية السياسية والتحرر الاجتماعي هما أساس حراك هؤلاء، ومطلبهم من نشاطهم الذي تحوّل من دعم الثورات الأخرى إلى تحريك الثورة في سوريا.

وهي النخب التي تريد الدولة المدنية الديمقراطية، وقاتلت من أجلها في الأشهر الأولى من الثورة بجرأة وقوة، ولكن عنف السلطة كان هائلا من أجل سحقها، ولهذا تراجع دورها فيما بعد.

كما كانت تمتلك أوهام الانتصار السريع لهذا “تعبت” بعد أشهر من ثورة لم يكن يبدو أنها قريبة الانتصار.

هذا الحراك محدود لكن المنتشر لاقى احتقانا كان يختمر منذ زمن، حيث انهار الريف بعد انتصار “اللبرلة”، وأصبحت قطاعات فلاحية كبيرة تعيش حالة الفقر، وأيضا أفضى احتكار الثروة إلى تعميم الفقر في المدن، حتى الفئات الوسطى تعرضت للإفقار، وكذلك فئات تجارية في المدن “المهمشة”.

بالتالي كانت مواجهة الاستبداد هي مستوى في الصراع ضد السلطة، لكن كانت مظاهر البطالة والفقر هي التي حرّكت الأعداد الغفيرة.

وبهذا فإن هذه الصورة تفرض أن نعي بأن المطالب، بغض النظر عن الشعارات التي رفعت، ودون أن نناقش كيف رفعت، تتعلق بالنمط الاقتصادي كما تتعلق بالنظام السياسي، أي تغيير كلية النظام السياسي الاقتصادي، ففي ذلك وحده يمكن حل مشكلات البطالة والفقر وانهيار التعليم والصحة، وانطلاقا منه يمكن بناء دولة علمانية ديمقراطية، دولة الحريات.

في ذلك ملخص للبديل الذي كانت مشكلات الشعب تفرض تحقيقه، وما زال تحقيقه هو الذي يعلن انتصار الثورة.

لكن ذلك يحتاج إلى القوى السياسية، لأنه بالضبط من مهمة السياسة، من ثم هل تحمل القوى القائمة الآن حلا لمشكلات الشعب؟ هل تحمل المعارضة، الداخلية والخارجية، حلا؟ هل رؤيتها تتضمن تحقيق مطالب الشعب بالتالي؟

ربما أجبنا عديد المرات عن هذا الأمر. الآن نواجه بقوى أخرى هي القوى الأصولية، داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية.

وكما أوضحنا فالأمر لا يتعلق، بالأساس، بتغيير شخص أو بإنهاء حكم عائلة، لأن المشكلات التي عانى منها الشعب والتي فرضت ثورته لا تتعلق بالأفراد بما هم أفراد بل بالنمط الاقتصادي السياسي الذي فرضوه خدمة لمصالحهم. وبالتالي هل القوى الأصولية تلك تحمل حلولا لمشكلات الشعب؟

هذا الأمر يفرض أن ندقق في تكوين هذه القوى، في التكوين المعرفي الذي يحكمهم، ومن ثم فيما يطرحون كحل، هو “الدولة الإسلامية” بكل هذه العمومية.

الإخوان المسلمون رفعوا شعار “الإسلام هو الحل” وحكموا في مصر وتونس مكرسين التكوين الاقتصادي القائم، وقاموا بإحلال “رجال أعمال” جدد محل “رجال أعمال” النظام القديم، وأكدوا على السياسة الليبرالية ذاتها، وعلى الاعتماد على الاقتراض كما كان في النظام السابق. وفي هذا الإطار لا حل لمشكلات الشعب في رؤية هذا التيار.
لكن مع قوى مثل داعش والنصرة وجيش الإسلام، التي تمثل قوى سلفية تعتمد المذهب الوهابي المتشدد، سنكون في وضع أسوأ، لأنه ليس لهذه القوى من قاعدة اجتماعية، بل إنها تضم “مهمشين” ومفقرين، محدودي الثقافة والمعرفة، حتى في الدين ذاته، يتبعون أمراء ثقافتهم الدينية ضحلة. وكل الزاد المعرفي هو زاد “أخلاقي” و”ديني”، يتعلق بفرض اتباع التزام شكلي جدا بالطقوس الدينية، وفرض ما يعتبرونه محرمات، وهي تتعلق بالشأن الشخصي بالأساس.

لهذا فإن “البديل” الذي يطرحونه هو بديل فقير، لا يطال الاقتصاد والإدارة والسياسة، لأنه يقوم على أساس فقهي مختزل وفقير، ومحصور في مسائل قليلة قيمية في الغالب. وهو يجرّد كل تاريخ الإسلام، وكل التطور الذي حدث فيه، في مستخلصات تبلورت في مرحلة انهيار الدولة العباسية، وعادت إلى ما يقارب البداوة. وهي بالتالي تلخص الإسلام بتطبيق حدود يقال إنها “شرعية”.

وهذه المستخلصات معادية للثقافة والفكر والعلم، وتعتبر الوضع الانهياري هو المثال. من هذا المنظور تسعى لتدمير كل ما جاءت به الحداثة، أو حصل خلال القرون التالية للقرون الوسطى تلك.
ولقد وجدنا أنها ترفض المدارس الحديثة مثلا لمصلحة العودة إلى الكتاتيب، واعتبار هذا الفهم المفقر للدين هو كل شيء.

إن “البديل” هنا هو بديل تدميري، لا يحمل حلولا للمشكلات المجتمعية إلا عبر التدمير، وإعادة المجتمع إلى مجموعات “بدائية” لا تعرف الثقافة والعلم والحضارة، وليس من نشاط اقتصادي سوى التهريب والنهب و”السلبطة”، وفي وضع يعيد عصر الحريم.

فما يبدو واضحا من “تنظيرات منظري” السلفية، والممارسات التي مورست في أفغانستان والعراق والشمال السوري يوضح أن البديل هو عودة إلى عصور الانهيار والتفكك والهامشية، هو استعادة تلك العصور بقيمها ومفاهيمها ومنطقها، و”اقتصادها”.

وهذا مشروع يتناقض مع الواقع القائم، لأنه يفرض إعادة الشعب إلى مراحل متخلفة جدا، وهو واضح من الفئات التي تحمل هذا المشروع، وهي فئات مهمشة بكل المعاني الاقتصادية والثقافية والحضارية والقيمية، وتعاني من أزمة “احتقان جنسي”.

من هذا المنظور، فإن هذا “البديل” هو بديل تفكيكي، ومدمر لبنية الدولة والمجتمع. فهو لا يحمل مشروعا اقتصاديا بل يدمر الاقتصاد القائم لمصلحة التهريب والنهب، وهو يقسّم المجتمع طائفيا، ويفرض الحد على “الأقليات الدينية” والأديان الأخرى من منظور أن ليس من دين سوى الإسلام، ويعيد النساء حريما مهمتهن الجنس والولادة، ويفرض تفسيرا أحاديا ضيقا في إطار الإسلام السني يجعله في تناقض مع الشعب ذاته.

ومن ثم باتت تصوّر الأمور أننا بتنا إزاء خيارين: النظام الحالي أو هذه المجموعات الأصولية. هذه الوضعية نتجت عن جهد كبير قامت به السلطة لكي توجد وتقوي هذه المجموعات، وجهد كبير “مشكور” من العديد من أطراف المعارضة التي توهمت أن هذه القوى زحفت لكي تسقط السلطة لمصلحتها هي، أو تمركز همها في سحق “آل الأسد” (فهي ثورة ضد بشار الأسد حسب موقع إخواني).

لكن لا هذه ولا تلك تحمل حلولا لمشكلات الشعب التي أشرنا إليها قبلا، ومن ثم فإن صراع الشعب بات في الاتجاهين، أي ضد السلطة القائمة وضد الأصولية التي باتت معركتها مع الشعب أيضا وليست مع السلطة.

الشعب يريد الحرية والديمقراطية، كما يريد اقتصادا يحل مشكلات البطالة العالية والفقر الشديد، ويعيد بناء التعليم بشك حداثي علمي، ويؤسس لدولة علمانية ديمقراطية تخدم مصالحه، هذا هو جوهر الأمر، وكل “بدائل” لا تتناول ذلك ستسقط.

وانطلاقا من ذلك، يقف الشعب ضد السلطة كما ضد كل هذه القوى التي تحمل بديلا ماضويا مدمرا، وأيضا ضد البديل الليبرالي الذي تطرحه معظم أطياف المعارضة، بالضبط لأن اللبرلة هي التي أدت إلى كل تلك المشكلات المجتمعية وفرضت الثورة. وهذه المطالب هي “روح” الثورة التي سوف تبقيها مستمرة إلى أن تتحقق.

المصدر: الجزيرة

الحرب على الإرهاب في سورية

لعبت بالطبع دول كثيرة على دعم «الجهاديين» تحت حجة دعم الثورة، وهلل الكثير من «المعارضين» لدفق «الجهاديين» الذين قدموا لكي يسقطوا السلطة، كي يتسلموها هم. وقد انهالت الأموال، وانهال السلاح على هؤلاء. وإذا بنا نلمس توسعاً كبيراً عليهم على حساب الكتائب الشعبية المسلحة و «الجيش الحر». ونلمس كيف تعمل «دولة العراق والشام» (داعش) على فرض «دولتها» عبر تصفية الكادرات الإعلامية والإغاثية والشعبية، والسعي الى تصفية الكتائب المسلحة و «الجيش الحر». ومن ثم تشكل جيش الإسلام، وأسست مجموعات أصولية الجبهة الإسلامية التي تهدف إلى إقامة «دولة الإسلام»، والتي أخذت تفعل كما تفعل داعش من خطف الناشطين إلى مهاجمة الجيش الحر والكتائب الشعبية المسلحة.

إذاً، كل هؤلاء يركزون على تصفية «المنافسين»، ومحاولة السيطرة على المناطق التي لا تقع تحت سيطرة السلطة. وبعضها يشتبك مع السلطة، لكنه ينسحب لكي تسيطر كذلك، في معادلة توازنات تهدف إلى بقائه القوة الوحيدة.

كل هذا الوضع أصبح يشكل خطراً على الثورة، وهو خطر كبير لا شك في ذلك. وقد عملت على تشكيله قوى عدة منها السلطة كما أشرنا، وكذلك قوى إقليمية ودولية، بهدف تدمير الثورة، لأن رأس الثورة هو المطلوب ليس فقط من جانب السلطة بل من جانب قوى إقليمية ودولية، تحسست خطر توسع الثورات في البلدان العربية في عالم يسمح بتوسع عالمي لها.

وعلى رغم إرهاب السلطة التي مارست كل أنواع القتل والتدمير بما يفرض أن تحاسب كونها مارست جرائم ضد الإنسانية، وعمدت إلى الإبادة الجماعية، من خلال استخدام كل أنواع الأسلحة، من قصف الطيران إلى البراميل المتفجرة إلى صواريخ سكود إلى الأسلحة الكيماوية، لم يلتفت «الغرب» سوى إلى وجود الإرهابيين، واستغلال استخدام الأسلحة الكيماوية لسحبها خدمة للدولة الصهيونية… وظل يشير إلى وجود الإرهابيين.

الآن، تعتقد السلطة السورية أنها وصلت إلى ما أرادت، فقد ظهر أن من يحاربها هم الإرهابيون، وهم فعلاً إرهابيون وليس كما كانت تدّعي بداية الثورة. ولهذا تطرح معادلة «الحرب على الإرهاب»، المنظور الذي اخترعته أميركا، والذي عبأت له منذ سنوات، وبات يشكل خطاً أحمر لسياساتها. بالتالي بات المطروح هو تحقيق التحالف ضد الإرهاب، بين السلطة و «الغرب» من جهة، ومع «المعارضة الوطنية» من جهة أخرى. مجموعة الثماني ركزت في لقائها الأخير في لندن على «أولوية محاربة الإرهاب»، وهذا يعني أنها باتت أقرب إلى السلطة السورية التي تطرح الأمر ذاته.

انقلب الأمر، إذاً، من أن ما يجري هو ثورة إلى سلطة تحارب الإرهاب. ويبدو أن الحشد نحو جنيف يراد له أن يسير في مسار التحالف ضد الإرهاب، أو على الأقل السلطة تريد ذلك. فهذا الأمر هو وحده ما ينقذها ويثبّت وجودها. ولا شك في أن وجود داعش والنصرة والجبهة الإسلامية يشكّل خطراً، على الثورة وعلى سورية عموماً. فهي قوى ليست قادرة على بناء دولة إذا تجاوزنا طابع الدولة التي يطرحون إقامتها (وهي دولة تفرض مجتمعاً متخلقاً قروسطياً، بدائياً، من دون إنتاج أو اقتصاد عموماً، ولا دولة، بل عصابات تمارس القمع «الأخلاقي»، وفرض الصلاة بالقوة)، حيث ستقام إمارات لأمراء «جهلة» (بالمعنى التاريخي والثقافي والحضاري). ومنذ وجدت اشتبكت مع الشعب الثائر، وبات الشعب في صراع متعدد، من جهة مع السلطة، ومن جهة ثانية مع هذه القوى. ومن ثم لا بد من أن تواجه، لأنها في كل الأحوال تواجه الشعب.

لكن تشكيل تحالف مع السلطة لمواجهتها هو أمر آخر، حيث إن السبب الأساس هو السلطة التي فرض وجودها انفجار الثورة، ولا يغيّر من ذلك نشوء تناقض مع طرف آخر. فالثورات تشهد صراعات متعددة في الآن ذاته، والتاريخ يتطور عبر الصراعات المتعددة، وأحادية الصراع هي تبسيط فظ نتج من «جهل ماركسي». لكن لا شك في صعوبة الوضع، حيث يواجه الشعب قوى متعددة تمتلك السلاح والمال، وهو أعزل ومن دون دعم، ويواجه موقفاً ملتبساً أو سلبياً من قوى كان يجب أن تقف معه (أمثال قطاع كبير من اليسار). المحور هنا هو السلطة، حيث أفرز عنفها، ومخططاتها، وتواطؤ دول إقليمية ودولية، نشوء هذه القوى التي تصنف على أنها إرهابية. وساعد صراع الشعب ضدها، ومواجهته لوحشيتها على تغلغل هذه القوى، وانخراط شباب ثوري يريد إسقاط النظام في صفوفها لأسباب كثيرة، منها الحاجة إلى السلاح والمال، ومنها فوضوية الكتائب المسلحة وهشاشتها. لهذا، ولكي تضعف ويمكن مواجهتها لا بد من تحويل وضعية الصراع ذاته. وهذا لا يتحقق إلا بإزاحة الأسد وكل المجموعة التي ارتبطت به. فذلك هو ما يجعل قطاعاً كبيراً من الشعب يقبل الحل، ويوافق على التغيير، وينخرط في هذا المسار جزء مهم من الكتائب المسلحة، لتصبح تلك القوى الأصولية ضعيفة ومحاصرة. في المقابل، إن إزاحة الأسد ستسمح بتحرر قطاعات مهمة من الجيش هي محيدة الآن، ومن ثم انخراطها في الصراع ضد الأصوليين ولفرض النظام.

هذا هو مسار محاربة الإرهاب، لكنه في الأساس مسار الخروج من الاستعصاء القائم، والانتقال إلى مسار جديد، من دون عنف وبلا دموية. هل يقود «جنيف 2» إلى ذلك؟ ربما، لكن لا بد من التشديد على أن «الحلقة المركزية» تتمثل في إزاحة الأسد وزبانيته. وبالتالي، فإن ما أرادته السلطة لن يتحقق إلا على جثتها.

المصدر: الحياة

العمل العسكري وتسليح المعارضة السورية

ab7996ee-2343-4f61-93ae-be39b24ad158

ليس للثورات حدود، فقد كان الرد العسكري على التظاهرات السلمية (التي ظلت كذلك سبعة أشهر) وحشيا منذ البداية، وقد أسست السلطة السورية ردها على التظاهر باستخدام العنف لخشيتها من ملايين تملأ الشوارع وتحتل الساحات كما حدث قبل بدء الثورة السورية بقليل في تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا.

البطولة تمثلت في أن الشعب صمد سبعة أشهر، وهو يتلقى الرصاص وكل عنف الأجهزة الأمنية والشبيحة دون أن يحيد عن سلميته.

لكن استمرار العنف، خصوصا بعد إدخال كل الجيش في الصراع بعد أن كان اعتماد السلطة على الأجهزة الأمنية (العديدة) والشبيحة، وبعض وحدات الجيش (الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والوحدات الخاصة)، وبعد ازدياد أعداد الشهداء بشكل لافت، فرض أن يميل الشباب الذين يتظاهرون إلى استخدام السلاح، خصوصا بعد بدء انشقاق عسكريين وانضمامهم إلى الثورة.

في البداية، كان استخدام السلاح يهدف إلى حماية التظاهرات من عناصر الأمن والشبيحة فقط، لكن كان استمرار عنف السلطة وتزايد وحشيتها سببين كافيين لانتقال الثورة من طابعها السلمي إلى العمل المسلح.

وهنا كان الشباب -الذين تظاهروا لأشهر- أساس تكوين الكتائب التي تشكلت، وبالتالي فإن الكتائب المسلحة هي في أغلبيتها من الشعب الذي مارس النضال السلمي، ومن الشباب الذين تعرضوا للقتل وهم يناضلون سلميا.

ولا شك في أن العمل المسلح بات هو الأساس في مواجهة السلطة التي مارست وتمارس كل أشكال العنف، الذي يبلغ حد الوحشية، ويمكن أن يوصف بأنه يشكل “جرائم ضد الإنسانية”.

ولقد تحقق ذلك عبر رد فعل الشباب المتظاهرين الذين اندفعوا لحمل السلاح، وبالتالي قلص من أعداد المتظاهرين، لكن الأمر الأسوأ تمثل في أن عنف السلطة أفضى إلى تدمير أحياء كاملة وقرى ومدن، وبالتالي أصبح سكانها “لاجئين” في مدن سورية أخرى.

وهنا انتهت إمكانية التظاهر في تلك المدن والأحياء والقرى من جهة، ومن جهة أخرى بات النشطاء في مناطق لجوء هؤلاء معنيين بالعمل الإغاثي، مما حول جزءا كبيرا من الناشطين عن التظاهر، وأربك كل إمكانية لحراك شعبي غير عسكري.

وهو الأمر الذي فرض أن يصبح الصراع مسلحا بشكل كامل، لكنه أوجد مشكلات كبيرة جديدة، منها مسألة التسليح والتمويل، فليس ممكنا خوض حرب ضد سلطة تمتلك كل أنواع الأسلحة البرية والجوية، وتمتلك أيضا قدرة تدمير هائلة، دون سلاح مقابل ودون تمويل العمل المسلح.

ربما لم يفكر هؤلاء الشباب في مصادر التسليح حين اندفعوا إلى العمل العسكري، حيث كان عنف السلطة أضخم من أن يجعلهم يفكرون في هذه المسألة، فجرى استخدام أسلحة ممتلكة أصلا (حيث إن كثيرا من السوريين يمتلكون أسلحة مختلفة)، ومن ثم بدأ السعي للحصول عليها من الجيش ذاته عبر مهاجمة قطاعاته، أو عبر شرائها من “فاسدين”، أو الحصول عليها من متعاطفين.

لكن لم يكن ذلك يكفي لمواجهة القوة العسكرية للسلطة رغم هذا العمل العسكري المحدود، لأنه ترافق مع الثورة الشعبية، وكان نتاجا لها فرض انسحاب السلطة من مناطق واسعة.

وكان أثر الثورة على عناصر الجيش هو السبب الرئيسي في هذا المجال، حيث أدت الثورة إلى تصاعد الاحتقان لدى عناصر الجيش، الأمر الذي كان يزيد من الانشقاقات، التي بدا بعد مدة أنها سوف تكون انشقاقات كبيرة ربما تهز وضع السلطة، لهذا فرضت هذه بقاء معظم قطاعات الجيش في ثكناتها “محاصرة” (أي دون اتصالات أو إجازات)، وأخذت تستخدم الطيران والصواريخ بعيدة المدى كبديل، وكان هذا يؤدي إلى زيادة القتل والتدمير.

ولقد وصل الوضع إلى أن تعجز السلطة عن الاستمرار بعد أن تضررت القطاعات العسكرية التي تعتمد عليها (القوة الصلبة المشكلة في الغالب من علويين، وهي الفرقة الرابعة التي هي استمرار لسرايا الدفاع التي شكلها رفعت الأسد، والحرس الجمهوري، والمخابرات الجوية، ومعهم الشبيحة الذي تبين أن عددا كبيرا منهم كان قد تدرب من قبل خبراء إيرانيين ومن حزب الله على شاكلة الحرس الثوري الإيراني)،

فقد زجت في الصراع منذ البداية وظلت هي القوة التي يعتمد عليها في كل المواجهات الأساسية، وبعد تسلح الثورة باتت تتلقى ضربات قاسمة.

لهذا تشكل ميزان قوى مختل لمصلحة الثورة منذ نهاية سنة 2012، لكن الفوضى وضعف الخبرة في العمل العسكري (فقد أرسل كل الضباط المنشقين من الجيش إلى تركيا والأردن ووضعوا في معسكرات مغلقة أيضا) منعا وضع خطة عسكرية لإسقاط السلطة، فتركز العمل العسكري على “تحرير المدن” والمناطق -التي أصبحت عرضة لقصف عنيف من قبل طيران وصواريخ السلطة- كان يؤدي إلى دمارها في الغالب، ولم يجرِ استغلال انهيار قوى السلطة من أجل الإجهاز على ما بقي منها وإسقاط النظام لتأسيس سلطة بديلة.

بالتالي، فقد ظل ميزان القوى مختلا لأشهر دون أن يجري استغلال ذلك من أجل انتصار الثورة.

لكن هذه الأشهر كانت كافية لكي تحشد السلطة قوى جديدة استقدمتها من إيران وحزب الله والعراق (وهي قوى طائفية مرتبطة بإيران)، وبدفعات جديدة من الأسلحة المتطورة من روسيا، لتبدأ هجوما مضادا من أجل إعادة السيطرة على المناطق التي تراجعت عنها من قبل (القصير وتلكلخ وحمص والغوطة الشرقية في دمشق وأحياء دمشق ودير الزور وحلب).

الآن، باتت المعركة هي مع قوى حزب الله وإيران وبقايا القوة الصلبة، وبأسلحة روسية حديثة، حيث تلجأ السلطة للقصف العنيف بكل الأسلحة الممكنة، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية، وهدفها كما يبدو حسم الصراع بكل العنف الممكن.

في المقابل، لم يتحسن تسليح الكتائب المسلحة (ومن امتلك أسلحة جيدة مثل “دولة العراق والشام” وجبهة النصرة لا يخوض الحرب ضد السلطة بل يعمل على فرض سلطته على الشعب في المناطق المحررة، ويستثير الصراعات التي تضعف الثورة، وبالتالي فهي ثورة مضادة)، فمعظم السلاح الذي استخدمته حصلت عليه، كما في الأصل، من الجيش وتجار السلاح، لكنه لم يكن كافيا بالتأكيد.
وقد عملت بعض الدول مثل السعودية وقطر، وكذلك جماعة الإخوان المسلمين السورية، وبعض “تجار الثورات” على شراء بعض الكتائب، وبالتالي أرسلت لها بعض الأسلحة.

لكن تقدير كثير من الكتائب المسلحة كان أن ما يرسل هو فقط من أجل استمرار الصراع وليس من أجل حسمه، بمعنى أن المرسل لا يرسل من السلاح إلا ما يكفي لإطالة أمد الصراع، ولهذا ظل اعتماد الكتائب المسلحة على السلاح الذي يجري اغتنامه من الجيش.

والآن، بعد أن أصبح “التدخل الخارجي” حقيقة من خلال دور إيران وحزب الله، وبعد إعادة تسليح السلطة من قبل روسيا، ومن ثم مع بدء هجوم السلطة من أجل تغيير ميزان القوى وهزيمة الثورة، وتحقيق انتصارات في بعض المناطق، أصبحت مسألة تسليح الكتائب المسلحة مطروحة بحدة: هل يمكن قبول ذلك أم لا؟

السعودية استعدت منذ زمن، وكذلك قطر، فرنسا ضغطت على الاتحاد الأوروبي لرفع قرار منع تسليح الثوار فرفض، ثم عادت ورفضت، ثم وعدت وتراجعت، كذلك فعلت بريطانيا.

أميركا -بعد أن تحققت السيطرة على مدينة القصير بعد التوافق الذي حققته مع روسيا لتحقيق حل سياسي روسي في سوريا- قررت أن تسلح المعارضة، ثم تراجعت.

قيل من قِبل قيادات في الجيش الحر أن سلاحا “متطورا” قد وصل، لكنه سلاح روسي، لكن أيضا لم يصل، بمعنى أنه يجب أن يكون واضحا أن موقف القوى الإمبريالية القديمة من تسليح الثورة سلبي، وقد دعمت إرسال بعض السلاح فقط لكي يستمر الصراع على أمل الوصول إلى تدمير أوسع في سوريا، فهل سيتغير الأمر الآن؟ لا أظن ذلك.

بالتأكيد، الثورة بحاجة إلى سلاح مضاد للدبابات ومضاد للطائرات خصوصا، وأيضا أسلحة خفيفة وذخيرة، لكن يجب ألا نرهق أنفسنا في البحث في هل التسليح “الغربي” صحيح أو غير صحيح، لأن الرؤية الإمبريالية بكل أطيافها تعتقد أن الحل السياسي هو الضروري لما يجري في سوريا، وكلها سلمت الأمر لروسيا لكي تفرض هيمنتها الإمبريالية عبر الحل الذي اقترحته.

هذا الأمر يفرض على الثوار البحث عن طرق أخرى للحصول على السلاح، وأساسا عليهم أن يؤسسوا قوة مسلحة حقيقية قادرة على خوض الصراع من أجل النصر.

وهذا الأمر لم يعد سهلا نتيجة الصعوبات التي باتت تحيط بالثورة، ومنها وجود داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) وجبهة النصرة اللتين تعملان على تصفية الثورة وفرض سلطة أصولية قروسطية مضادة لكل المجتمع، وأيضا تفكك الكتائب المسلحة وأسلمة بعضها، وميله لفرض “دولة إسلامية”، وكل الفوضى التي تراكمت خلال عمر العمل المسلح، والتي سمحت بحدوث اختراقات كبيرة من قبل السلطة.

الثورة في فوضى، والعمل المسلح في فوضى أعلى، وإذا كانت السلطة ستبقى عاجزة عن الحسم فإن انتصار الثورة لا يبدو واضحا نتيجة ما راكمت من مشكلات وفوضى، وما حدث من اختراقات وتأثيرات لقوى إقليمية ودولية.

المصدر: الجزيرة

عن الإمبريالية وتشويه -اليسار الممانع- للماركسية

الذين يرفضون أن روسيا إمبريالية انطلقوا من أنها لا تستعمر ولا تسيطر، لكن هل الإمبريالية تعني السيطرة والاستعمار فقط أو بالضرورة؟ ألمانيا مثلاً لا تستعمر فهل هي إمبريالية أم ليست كذلك؟ حتى بريطانيا ذات الإرث الاستعماري هي لا تستعمر الآن، فهل نستطيع القول بأنها لم تعد إمبريالية؟ اليابان لم تعد تستعمر منذ زمن طويل، أليست إمبريالية؟ وإذا كان التدخل العسكري يساوي الاستعمار فروسيا تدخلت في آسيا الوسطى، أي في بلدان الاتحاد السوفيتي السابق، بالتالي ليست هذه سياسة إمبريالية؟

هذه مسائل يجري تجاهلها حين تناول وضع روسيا في الوقت الراهن، لكن الأمر يكمن في أن مفهوم الإمبريالية ظل يساوي مفهوم الاستعمار، أي ظل ينطلق من “الترجمة الحرفية” للمصطلح الانجليزي ولم يجرِ الالتفات إلى أنه بات مصطلحاً سياسياً اقتصادياً تبلور في النقاش الماركسي منذ نهاية القرن التاسع عشر، خصوصاً من كتاب لينين “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” الذي كتب في النصف الأول من سنة 1916 خلال الحرب العالمية الأولى، ونشر في سنة 1917.

وطبع الكتاب بالعربية تحت عنوان “الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية” في دار الفارابي/ بيروت سنة 1956. وطبعت النسخة في دمشق (مطبعة الوفاء، دمشق/ باب توما)، أي تحت إشراف قيادة الحزب الشيوعي السوري اللبناني (كما كان يسمى)، التي كانت تعبّر عن طبيعة “الوعي الماركسي” المستمد من “العلماء السوفيت”. وهذا ما مثّل وعي مجمل الحركة الشيوعية (والفكر القومي بالطبع، الذي تمركس فيما بعد على أساس القاعدة ذاتها)، والذي ظل يرى الرأسمالية من زاوية الاستعمار، أي من المنظور السياسي وليس من المنظور الاقتصادي الطبقي.

لهذا نجد أن التعريف الذي يسكن وعي كثير من “الماركسيين” هو: “الإمبريالية هي نتاج الرأسمالية الصناعية المتطورة جداً. وهي تتلخص بنزوع كل أمة رأسمالية صناعية إلى أن تلحق بنفسها أكثر ما يمكن من الأقطار الزراعية بصرف النظر عن الأمم التي تقطنها”. وبهذا تُربط الإمبريالية بالاستعمار، أي بعملية “الإلحاق” التي جرت لكثير من بلدان العالم من أجل نهبها لمصلحة الرأسمالية الصاعدة، والتي باتت مجال الصراع العسكري والتنافس الاقتصادي بين البلدان الرأسمالية، والذي حكم المرحلة الأولى من تطور الرأسمالية وصولاً إلى تبلورها الإمبريالي كنمط عالمي، ومن ثم تحقق ما أسمي “نزع الاستعمار” بعد الحرب العالمية الثانية لكي ينشأ شكل جديد للسيطرة الرأسمالية يقوم على أساس البناء الاقتصادي المحلي والنظم التي تمثل مصالح رأسمالية كومبرادورية، وبالتالي وجود قوة عالمية قادرة على الضغط والتدخل هي الولايات المتحدة.

وهو الترجمة الحرفية لكلمة إمبريالية (وهكذا جرت ترجمة عنوان كتاب لينين “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية”، بـ “الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية”). وإذا كان وجود الاتحاد السوفيتي، واستمرار السيطرة الاستعمارية من قبل البلدان الإمبريالية (وهنا كانت مسألة فيتنام والهند الصينية هي التمثيل على استمرار وجود الاحتلال، إضافة إلى التدخلات الأميركية في أميركا اللاتينية وآسيا و”الشرق الأوسط”) لا يجعل التدقيق في المعنى أمراً مهماً، حيث تداخل معنى الإمبريالية والاستعمار، وحيث كان الصراع يدور بين الاشتراكية والرأسمالية من جهة، وبين حركة التحرر الوطني و”الإمبريالية” من جهة أخرى. لهذا تبلور الصراع كصراع ضد الإمبريالية، كقوة تحاول السيطرة والهيمنة والاحتلال. وهذا هو منظور الصراع كما كانت تريده السلطة السوفيتية، كجزء من تكتيكها في مواجهة الرأسمالية.

بمعنى أنها أرادته كصراع سياسي من أجل الاستقلال وليس كصراع طبقي ضد الرأسمالية في سياق انتصار الاشتراكية. الأمر الذي بلور الوعي لدى الشيوعيين بأن الصراع ضد الرأسمالية هو صراع من أجل التحرر الوطني بالتحديد وليس صراع من أجل تحقيق التطور وتجاوز الرأسمالية. وهو الفهم الذي ارتبط بتحديد أن التطور الوطني هو تطور رأسمالي بالأساس. في هذا المنظور كان هدف الاستقلال الوطني هو المهيمن، وحتى حين الحديث عن الاقتصاد تجري الدعوة إلى الاستقلال الاقتصادي، أي دون منظور طبقي واضح، وهو ما كان يجعل البديل هو بديل رأسمالي.

إذن، في مقابل الإمبريالية تبلور مفهوم التحرر (وظهر كاستمرار للتحرر من الاستعمار المباشر). هذا ما جعل مهدي عامل يوصّف النمط الاقتصادي السائد في الأطراف بأنه “نمط إنتاج كولونيالي” (أي نمط إنتاج استعماري). وإن كان مهدي قد فعل عكس ما فعلت الحركة الشيوعية التي ربطت التحرر بالتطور الرأسمالي، من خلال ربطه التحرر بالاشتراكية، لهذا قال بأن حركة التحرر هي هي الاشتراكية، اعتماداً على “قيادة الطبقة العاملة” للثورة. لكن هل يقابل السيطرة الإمبريالية التحرر السياسي؟ هل يمكن تلخيص الإمبريالية بالسيطرة السياسية فقط؟
كل “الممانعين” ينطلقون من ذلك. يقول عادل سمارة “الاحتلال الاستعماري هو السمة الأساسية للإمبريالية”، ولهذا يميز بين “الاحتلال العسكري الذي يمارسه الإمبرياليون وبين علاقات السوق”.، فيعرّف الإمبريالية بأنها “توجه الرأسمالية في دولة قومية معينة للتوسع العسكري والاقتصادي بالقوة للسيطرة على المواد الخام والأسواق …. وكما تلاحظ فهي امتداداً للاستعمار ولكن بكثافة أعلى”. طبعاً لن نجد معنى لتعبير “كثافة أعلى” لأن الأمر يتعلق بالتوسع العسكري والقوة والسيطرة، وهذه ليس فيها أدنى وأعلى، ففي كلا الحالين كان هناك نهب فظيع، وتحكم عالي. بمعنى أن عادل يشير إلى فارق كمي في السيطرة، هو غير محدَّد، ويرتبط بقوة الدولة المحتلة أو المسيطرة وبضعفها، بينما الفارق بين الاستعمار والإمبريالية هو فارق نوعي يتعلق بطبيعة السيطرة التي باتت تتخذ شكل بنيوي، يتعلق بطبيعة البنية الاقتصادية التي تتشكل عبر الضغط الإمبريالي (الاقتصادي أو السياسي أو العسكري، أو بالأساس التنافسي)، والتي تصبح مخضعة بتكوينها الذاتي، وبقوى السلطة التي تتشابك مصالحها مع الطغم الإمبريالية.

ما يثير هذا النقاش الآن، هو الثورات العربية والاهتزازات التي أوجدتها، خصوصاً هنا الثورة السورية (والى حدّ ما الليبية، واليمنية)، حيث كشفت “مستوى” الوعي لدى شريحة واسعة من اليسار، العربي والعالمي. فقد ظهر بأن الموقف من الثورات مبني على الموقف من طبيعة علاقة النظم بالإمبريالية الأميركية بالتحديد، الأمر الذي فرض التأييد والرفض هو التبعية لها أو “التناقض” معها. بحيث يجري تجاهل التكوين الطبقي المحلي، ولا يجري الالتفات إلى طبيعة الطبقة المسيطرة، وتلمس مصالحها. هذا سبب أساس، لكنه فتح على نقاش حول طابع روسيا الراهنة، هل هي إمبريالية؟ أم دولة بازغة أو “حركة تحرر”؟ حيث كان دعمها للسلطة السورية هو الذي فرض إخراجها من توضعها الإمبريالي، خصوصاً وأنها “تتناقض” مع الإمبريالية الأميركية كما كان يظهر في الإعلام (رغم أن الأمور باتت واضحة الآن، من منظور التوافق الروسي الأميركي في سورية، وربما في العالم). وفي ذلك جرت استعادة أجواء الحرب الباردة، ومنظورات التحرر الوطني والصراع الرأسمالي الاشتراكي. وبالتالي ظهرت إشكالية الفهم الذي ينطلق من السياسي وليس من الاقتصادي الطبقي، لتظهر الإمبريالية كاحتلال، والذي فتح على النقاش حول روسيا التي “لا تحتل” وبالتالي لا يمكن القول بأنها إمبريالية. لكنه أفضى إلى دعم سلطة ليبرالية “حتى النخاع”، متشابكة مع الرأسمال الإمبريالي مباشرة أو عبر توسطات (كانت الخليج وتركيا)، ووحشية إلى حدّ مرعب.

فالانطلاق من هذا الفهم للإمبريالية، ومن المنظور الذي تبلور خلال “الحرب الباردة”، فرض رؤية النظام السوري كـ “ممانع”، أو كـ “معادي للإمبريالية”، وفرض أن تُرى أميركا خصوصاً كإمبريالية تقود “العالم الرأسمالي”، وتسعى للسيطرة والاحتلال (ومثال العراق قريب بالتأكيد). في المقابل فرض أن تُرى روسيا كـ “وريث الاتحاد السوفيتي”، وألا تُرى التحولات التي حدثت فيها بعد انهيار الاشتراكية، وأن تظل كمقابل للإمبريالية الأميركية (ثنائية أميركا/ روسيا).

وبالتالي إتخاذ الموقف الخطأ في الصراع العالمي، كما في “الصراع على سورية”. أي الانزلاق إلى مواقف معادية للثورة وللشعوب، والوقوع في مطب الدفاع عن نظم مافياوية.

المسألة هنا ربما هي أبعد من تحديد معنى الإمبريالية، حيث أنها ربما تكون تعبير عن انتهازية أو عن نوستالجيا لأمجاد “حركة التحرر الوطني”، حنين لما قد انهار وأصبح من الماضي، “الماضي الجميل”. هذا الماضي الذي باتت سورية هي بقاياه من منظور ما، تأسيساً على “دعمها” المقاومة، وتوهماً لوضعها الاقتصادي كما كان قبل عقود أربعة. وهذا الماضي حيث روسيا السوفيتية “تنبثق” في سروال الجنرال بوتين، الذي ظهر وكأنه يقارع الإمبريالية الأميركية، ويريد تقويضها. لكن الذي ظهر أخيراً كحليف لها، لكن هذه الصورة لم تظهر على شاشة الممانعين اليساريين بعد. وربما حينما تصبح الصورة أكبر من ألا تُرى ستكون أميركا حليفاً.

إذن، المسألة ربما هي أبعد من أن تعبّر عن خطأ معرفي، بل تشير إلى “إنحياز طبقي مموه”،حيث يبدو اليسار الذي تشكّل في كنف الاتحاد السوفيتي، أو الذي تأثر به، كمرتعد أمام تقدم الشعوب لكي تحتل واجهة المسرح. الثورات تخيف، والتغييرات الكبيرة تخيف، هذا ما حصل في مفاصل كثيرة في التاريخ العالمي. مثلاً على أبواب الحرب العالمية الأولى، حيث ارتفع شعار “الدفاع عن الوطن”، كما يرتفع الآن شعار الدفاع عن الوطن الذي يتعرض لمؤامرات الإمبريالية. وهو الأمر الذي دفع لينين لكي يعلن “إفلاس الأممية الثانية”.

لنعود إلى مفهوم الإمبريالية بالتالي. في التعريف الأول يجري التأكيد على أن الإمبريالية هي الميل إلى الاستعمار، وفي التعريف الثاني يشير إلى ذلك بوضوح كامل، وإن بشكل أكثر كثافة. التعريف الثاني هو للدكتور عادل سمارة، لكن من قائل التعريف الأول؟ إنه كاوتسكي، وماذا يقول لينين عنه؟ يقول أن التعريف خاطئ ، “وأنه –مكيف- بشكل يخفي أعمق تناقضات الإمبريالية، ويؤول بالتالي إلى مسالمة الانتهازية”. وهذا ما يظهر واضحاً في المسألة السورية. لهذا يعطي لينين تعريفاً آخر ينطلق من طبيعة تكوين الرأسمالية، التعريف هو “الإمبريالية هي الرأسمالية عندما تبلغ من التطور درجة تكونت فيها سيطرة الاحتكارات والرأسمال المالي، واكتسب فيها تصدير الرأسمال أهمية كبرى، وابتدأ تقسيم العالم بين التروتستات العالمية، وانتهى تقسيم جميع أقطار الأرض بين كبريات البلدان الرأسمالية”.

بالتالي فإن لينين يتحدث عن تكوين، بنية، للرأسمالية. يتحدث عن البنية الاقتصادية الداخلية قبل أن يشير إلى “تقاسم العالم”. فالإمبريالية هي الشكل المكتمل للرأسمالية، التي تقوم على تلك العناصر التي أشار لينين إليها. والتي تشكّل تكويناً بنيوياً، وحيث يدفع تكوينها الداخلي إلى أن تهيمن وتسيطر، لأن هذا التكوين من غير الممكن أن يبقى “قومياً”، فهو يحتاج إلى الأسواق لتصدير السلع والرأسمال، وللحصول على المواد الأولية. وهو لا يستطيع الاستمرار دون الطابع العالمي المهيمن. ولا شك في أن التمركز والاحتكار قد وصل درجة أعلى بعد لينين، وبات الرأسمال المالي يتشكل من كل فروع الرأسمال (المصرفي والصناعي والزراعي والتجاري والخدمي)، كما أفضى التمركز والاحتكار إلى تشابك الرأسمال عالمياً، الأمر الذي لم يعد يسمح بوجود رأسمالية “وطنية”. وباتت أسواق الأسهم (البورصة) المعممة عالمياً هي المدخل لتحقيق هذا التشابك. لهذا سنجد بأن كل ميل رأسمالي سوف يدفع إلى تحقيق هذا التشابك، سواء من موقع تبعي أو من موقع مكافئ أو مسيطر.

على ضوء ذلك يجب النظر إلى روسيا الراهنة، وليس عبر استرجاع ماضٍ رحل. هل هناك احتكارات في روسيا؟ بالتأكيد. وهل هناك رأسمال مالي مسيطر؟ بالتأكيد. وهل تعمل على البحث عن أسواق لسلعها؟ نعم. وهل تسعى لتصدير الرأسمال؟ نعم. وهل تعمل على تقاسم جديد للعالم؟ بالتأكيد. هذا ما نلمسه يومياً، وما يظهر واضحاً وضوح الشمس في سورية، التي بدت كأول تقاسم بين الإمبريالية الأميركية والإمبريالية الروسية. وحيث ستستفيد روسيا من تراجع أميركا لكي تحقق تقدماً في “الشرق الأوسط”.

إذن، هل روسيا إمبريالية؟ نعم. ماذا تريد؟ تقاسم العالم. بالتالي بمَ تختلف عن أميركا؟ ربما أنها أحدث، وتبلورت في وضع تعيش فيه الرأسمالية ككل أصعب لحظة في تاريخها. بما في ذلك روسيا ذاتها. فهي تعيش أزمة ليس من الممكن تجاوزها كما كان يحدث في الأزمات السابقة، وهي أخطر من كل الأزمات السابقة لأنها نتاج “شكل جديد” للرأسمالية يقوم على هيمنة المال على الرأسمال، أي سيطرة المضاربات وتفوقها على “الاقتصاد الحقيقي”.
لهذا ما الفرق بين سيطرة أميركية أو سيطرة روسية؟ لا شيء. كلاهما يريد النهب، وإنْ كان هناك من يطلق الكلام المعسول. أو يظهر بمظهر المنقذ والمخلص من إرث “إمبريالي” سابق، مستفيداً من صورة الاتحاد السوفيتي، ومن إرثه الغني في دعم الشعوب.

هل نكون مع لينين أو مع كاوتسكي؟

ثقافة كاوتسكي أرقى مما يطرح الآن بالتأكيد، لكن تعريف لينين هو العلمي. فالإمبريالية هي تكوين اقتصادي، يتضمن الميل للسيطرة والنهب في تكوين يقوم على اللاتكافؤ. والاستعمار هو مظهر أساسي للرأسمالية في مراحلها الأولى، لكنه تراجع أمام الميل لتحقيق الهيمنة الاقتصادية بعد نشوء اللاتكافوء الذي فرض بقوة الرأسمالية، وفرض نشوء المراكز والأطراف بالسمات المتناقضة بينها. والذي بات يتحقق عبر تعميم اقتصاد السوق (اللبرلة). وبالتالي باتت اللبرلة هي وسيلة هيمنة الإمبريالية. ولقد أصبحت “علاقات السوق” هي أساس تمظهر الإمبريالية. فـ “تحرير الأسواق” هو الانجيل الذي رفعته العولمة، وتقليص دور الدولة إلى أقصى حدّ هو ما فرضت تحقيقه، من أجل أن تعمل الأسواق دون تدخلات “مزعجة”. هذه هي قاعدة الرأسمالية التي أفضت إلى الإمبريالية، وأدت إلى تشكيل العالم الراهن، فكيف يمكن أن تكون غير الإمبريالية كما يفعل عادل سمارة؟

وفق ذلك، يكون “اليسار الممانع” هو حفيد كاوتسكي وليس وريث لينين، لكن في شكل كاريكاتوري طبعاً. هذا هو جذر الدفاع عن سلطة مافياوية في دمشق. في انتهازية مفرطة وتهتك فظ، ولا أخلاقية تفوح منها رائحة كل قاذورات الأرض.

روسيا إمبريالية، وهي تخوض صراعاً مع أميركا الإمبريالية على الأسواق. وأيضاً يجري الحوار بينهما لترتيب متبادل لهذا التقاسم للعالم بما يحقق مصالح البلدين. بمعنى أن الأمر لا يدفع إلى الصراع بل يبقى في إطار التنافس والتقاسم المتبادل للمصالح.

المصدر: الحوار المتمدن

قانون ضبط التظاهر يعيد الحراك الاجتماعي لشوارع مصر

حال صدور القانون الخاص بمسألة حركات الاحتجاج بدأ الاحتجاج عليه، حيث نزل الشباب إلى الشوارع اعتراضاً لأنه يضبط حركات الاحتجاج، ويقيد كل إمكانية جدية للاحتجاج أو الإضراب أو الاعتصام. وهو شبيه بالقانون الذي أصدره محمد مرسي، ربما إلى حدّ التطابق. ما حاجة السلطة الجديدة لقانون كهذا، رغم اعتراض العديد من الأحزاب، ومن الشباب الذين شاركوا في لجنة «الخمسين» الخاصة بكتابة الدستور، قبل إقراره وصدوره؟

قبل أيام كانت ذكرى المواجهة في شارع محمد محمود حيث قتل النظام حينها العديد من الشباب المحتج، وحينها وقفت حركة الإخوان المسلمين مع العسكر ضد الشعب. ولا شك في أن الاحتجاج الذي حدث قد شكّل فاصلاً بين مرحلة الاحتجاج الإخواني على عزل مرسي، وهو الاحتجاج الذي كان يخفت خلال الأسابيع السابقة، ومرحلة جديدة تتمثل في عودة الحراك المجتمعي، رغم أن العديد من الإضرابات قد حصلت خلال الفترة الماضية، ولازالت تحصل. وهي تحدث في مصانع وأماكن احتجت ضد مبارك، وضد المجلس العسكري، وأيضاً ضد مرسي، بالضبط لأن مطالبها لم تتحقق.

وبالتالي يمكن أن نلاحظ بأن المرحلة القادمة سوف تشهد تحولاً في طبيعة الاحتجاج، وانتقاله من طابعه الإخواني إلى طابعه الشعبي، أي ذلك الذي قام بثورة 25 يناير، والذي استمر بتفاوت بعد ذلك.

ومن الواضح أن إصدار القانون الخاص بالتظاهر جاء لكي يقطع الطريق على هذا التحوّل الشعبي لحركة الاحتجاج، ومن أجل «ضبط» الوضع لتحقيق «الاستقرار». وهذا الأخير بات مطلب العديد من قطاعات الشعب من الفئات الوسطى، التي يبدو أنها «تعبت»، وباتت تريد «الاستقرار»، حتى في شكل «سلطة قوية». لكن المشكلة تتمثل في أن هؤلاء ليسوا هم من صنع ثورة 25 يناير، ولا حتى ثورة 30 يونيو، وهم غير قادرين على التأثير في الحراك، الذي يبدو أنه أصلاً من فعل الشباب.

ومن الواضح كذلك بأن السلطة الجديدة تميل للضبط ولا تميل لتحقيق مطالب الطبقات الشعبية. وهي تميل للضبط لأنها تعرف بأن حركة الاحتجاج ستستمر نتيجة أوضاع الطبقات الشعبية، ولا يبدو أن لديها حل يحقق المطالب التي كانت أصلاً في أساس ثورة 25 يناير، أي العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، والتي كانت تتحدد في الحدّ الأدنى للأجور، وإعادة الأرض للفلاحين (الأرض التي استرجعت منهم بقرار صدر سنة 1997، وأعيدت للإقطاعيين القدامى)، وحل مشكلة البطالة. والتي على هامشها طرحت عشرات المطالب المناطقية و»الفئوية». إضافة إلى مطلب الدولة المدنية وانتصار الحرية، وحق التظاهر والإضراب وتشكيل الأحزاب وحرية الصحافة. وهي كلها مطالب طرحت قبل 25 يناير، وتكررت طيلة الـ 18 يوم التي مثلتها الثورة في 25 يناير. وكل من يستعيد اليافطات التي رفعت أو الشعارات التي ترددت سوف يجدها تتمحور حول هذه المطالب.

وإذا كانت صور جمال عبدالناصر قد ملأت الشوارع في 30 يونيو إلى 3 يوليو، لكي توحي بأن ما يجري هو استمرار لذلك القائد الكبير، فقد ظهر بأن الهدف هو استعادة الجيش لكي يلعب الدور المحوري في الثورة، وربما تحضيراً لـ «بكباشي» جديد. بينما جرى تجاهل السبب الحقيقي الذي جعل جمال عبد الناصر يحظى بكل ذاك التقدير، وأن يحقق كل تلك الشعبية دون انتخابات ولا برلمانات. فمصر في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت تغلي بالصراع الطبقي، وبالحراك الاجتماعي. وكان واضحاً بأن الأمور تسير نحو الانفجار نتيجة الوضع السيء الذي يعيشه الشعب (والريف خصوصاً، الذي كان يمثل ما يقرب الـ 90 بالمئة من السكان).

ولهذا طرحت الثورة حينها «المبادئ الست»، لكن الأمر لم يبق عاماً بل أن القرار الأول كان تحقيق الإصلاح الزراعي بعد أقل من شهرين من عمر الثورة (وهذا القرار وما تبعه هو الذي حوّل الانقلاب إلى ثورة)، ومن ثم إقرار التعليم المجاني، وتأميم قناة السويس وبناء السد العالي، ثم التصنيع. وعبر ذلك جرى تحقيق مطالب الفلاحين بالحصول على الأرض، ومطالب الفلاحين والفئات الفقيرة في المدينة بالتعليم المجاني، ثم تجاوز البطالة عبر التوظيف في القطاعات الاقتصادية الجديدة وفي الدولة. هذا الأمر وحده هو الذي حقق الاستقرار وفرض نشوء «دولة قوية» (أو سلطة قوية، دكتاتورية)، حيث بات لها قاعدة اجتماعية واسعة.

الآن، ثورة يناير أوضحت المطالب دون لبس، وهي تلك التي أشرت إليها للتو، وهي مطالب ناضل العمال والفلاحون والفئات الوسطى سنوات قبل الثورة من أجل تحقيقها، وبالتالي باتت راسخة في الوعي، وأيضاً بات من غير الممكن توقّف الحراك من أجل تحقيقها بعد أن باتت الطبقات الشعبية المفقرة عاجزة عن الاستمرار في الوضع الذي تعيشه، وبعد أن كسر حاجز الخوف. ولم يظهر طيلة حكم المجلس العسكري أو الإخوان أي ميل لتحقيق كل هذه المطالب، لهذا شهدنا ثورة 30 يونيو.

كل هؤلاء قالوا بأن الاقتصاد لا يحتمل تحقيق كل تلك المطالب «الفئوية»، لكن الاقتصاد القائم هو الذي أوصل الشعب إلى الوضع المزري الذي هو فيه، وبالتالي لا بد من تغيير الاقتصاد.

هذا الأمر هو الذي يجعل إقرار قانون التظاهر أكثر أهمية من تنفيذ الحد الأدنى للأجور، ومن البحث عن حل حقيقي للبطالة، وللبنية التحتية المنهارة (السكك الحديدية مثلاً)، وللتعليم والصحة.

فالسلطة ليست لديها نية لتغيير الاقتصاد، وتعمل على الحفاظ على الوضع المختلّ بين أغلبية مفقرة وأقلية تتحكم بمجمل الاقتصاد. وهي من هذا المنظور تنظر للمشكلات، ولأن هذا الوضع هو الذي أنتجها فليس من حلّ من داخلها. بالتالي ليس غير العودة إلى «الضبط»، والمماطلة من أجل إنهاك الشعب، لكي يستسلم لـ «قدره».

لكن لم يعد الشعب قادراً على الاستسلام لقدره، ربما بعض الفئات الوسطى التي تنظر إلى شكل السلطة، خصوصاً فيما يتعلق بالحرية والديمقراطية، يمكن لها أن «تستسلم» فتعود إلى طلب الهدوء والاستقرار، بينما المفقرون ليس لديهم ترف الاستسلام والسكينة من جديد بعد أن كسر حاجز الخوف.

لهذا سنشهد عودة الحراك الشعبي رغم كل الاتهامات التي تلقى وستلقى عليه بأنه إخواني أو يخدم الإخوان.

باختصار، من يريد الاستقرار عليه تحقيق مطالب الشعب، هذا هو ملخص الأمر. وما هو واضح تماماً هو أن الشعب سيبقى متمرداً إلى أن يحقق مطالبه.

المصدر: العرب