Monthly Archives: ديسمبر 2010

نحو حلّ الدولة الواحدة

قد يكون الحديث عن الدولة الديموقراطية العلمانية في فلسطين خارجاً عن السياق المتداول. سياق يقوم على الاعتقاد بأنّ المسألة قد تحددت في الإقرار بوجود الدولة الصهيونية حقيقةً قائمة، وبالتالي يجري السعي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة في جزء من فلسطين مساحته أقل من 20% من مساحتها الكليّة.

بمعنى آخر، هذه هي الصيغة النهائية لوضع القضية الفلسطينية التي باتت تحظى بدعم عالمي، وهي الممكن الوحيد. الأمر الذي يفرض التمسك بها لأنّها الأمل الوحيد!

لكنّ الأيام الأخيرة دفعت أعداداً متزايدة من الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى العودة لطرح خيار الدولة الواحدة الديموقراطية العلمانية، انطلاقاً من أنّ الوقائع لم تبقِ مجالاً لغير ذلك. وبهذا أصبح النقاش هو حول طبيعة هذه الدولة.
ولهذا فإنّ الحديث عن الدولة الديموقراطية العلمانية، التي هي دولة واحدة على كلّ فلسطين، يفترض أولاً، القول بأنّ السياسة التي قامت على حلّ الدولتين ثبت فشلها. لقد وصلت إلى طريق مسدود، وبالتالي لا يبدو قائماً في الواقع سوى الدولة الصهيونية. ويمكن أن نقول إنّ هذه السياسة دمرت جزءاً مهماً من مكامن القوة الفلسطينية. وبدل التركيز على حلّ مبدئي وتأسيس القوى القادرة على تحقيقه، كان هناك الضياع في أوهام لم تفعل سوى تدمير مقاومة الشعب الفلسطيني، وإعطاء الوقت الكافي للدولة الصهيونية لكي توسع السيطرة على الأرض وتزيد المستوطنات.

لكنّها ـــــ في المقابل ـــــ أوصلت كلّ معنيّ بفهم المشروع الصهيوني وارتباطه بالمشروع الإمبريالي إلى النقطة التي كان يجب أن تكون واضحة له منذ البدء، وهي أنّ الدولة الصهيونية لا تلحظ أيّ حل للفلسطينيين، وأنّ كلّ حلولها مؤقتة على طريق إكمال سيطرتها على الأرض، التي تراها «يهودية» بالوراثة. لهذا فقد عدنا إلى نقطة البداية، ربما بمعرفة أفضل لطبيعة المشروع الصهيوني، الذي هو مشروع إمبريالي، أو هكذا يجب أن نفترض. بمعنى أنّ التجريبية التي حدثت (رغم أنّ هناك من كان لا يجرّب) أوصلت إلى نتيجة أنّ الدولة الصهيونية لا تقبل الحلول الوسط، ولا حتى نصف الوسط. بالتالي فإنّ المسألة تتعلق بتطوير الصراع إلى الحدّ الذي يفرض إنهاء الدولة الصهيونية، أو تلاشيها. لا حلول في ضوء ميزان القوى الراهن سوى الحلّ الصهيوني، وكلّ المراهنات على «الوضع الدولي» و«الشرعية الدولية» و«الرأي العام العالمي» كانت في غير محلها، لأنّها في النهاية محكومة بميزان القوى القائم على الأرض. وتأثير الرأي العام العالمي هو تأثير مساعد لقوى موجودة على الأرض.

هذه نقطة أولى. إنّ الحديث عن حلّ الدولة الديموقراطية العلمانية يفرض ثانياً، التوضيح أنّه لا ينبع من ضرورة وجود حلّ خاص في فلسطين. إنّ طرح الطابع الديموقراطي والعلماني لا ينبع من خصوصية فلسطينية، رغم وجود المشكلة اليهودية، بل إنّه الحلّ الضروري لكلّ المجتمعات البدائية، في سياق السعي إلى تحقيق التطوّر، فتكون الدمقرطة والعلمنة عنصرين أساسيين في تحقيق الانتقال إلى الحداثة. يعود ذلك إلى أنّ تطوّر هذه المجتمعات مرتبط بتجاوز أيديولوجية سادت قروناً عديدة، وبنيت على الحفاظ على تكوينات وآليات وعلاقات سابقة للعصر الذي ولدت فيه الحداثة. هذه الأخيرة كانت من نتاج نشوء الصناعة بالتحديد، والتطور الكبير الذي أحدثه ذلك. بات الميل لتحقيق التطوّر، بما يعني أساساً بناء الصناعة بوصفها وسيلة إنتاج حاسمة في هذا العصر، والمؤسِّسة لتحقيق التكافؤ والمساواة في العلاقات الدولية، ضرورياً وملحاً في الأمم البدائية. وهو يستلزم تحقيق الحداثة بمجملها، رغم أنّها تحققت في أوروبا على دفعات، في سياق صيرورة أفضت إلى الوضع القائم الآن. ويتمثل ذلك في تأسيس دولة ديموقراطية وعلمانية، لتجاوز فعل الهيمنة الذي تحاول الأيديولوجية التقليدية القائمة على الدين تحقيقه، والتي تسعى إلى إعادة فرض سلطتها، وبالتالي وقف عملية التطور، الصناعي بالخصوص، كما أسلفنا.
العلمنة هنا هي بهدف فصل الدين عن الدولة، وتحوّله إلى معتقد شخصي، أي غير سياسي، وهذا يطال «دين الأغلبية» و«أديان الأقليات»، التي تصبح متساوية إزاء القانون.

وإذا كانت هذه المسألة عامة، تتعلق بكل الأمم البدائية، فإنّ التركيز على الدمقرطة والعلمنة، وإيلاءهما اهتماماً أكبر اليوم، يرتبط عموماً وأولاً بالفورة التي جعلت الحركات الأصولية تتجاوز التهميش الذي طالها مع صعود حركات التحرر القومي، وتصبح هي القوة الكبرى في الصراعات القائمة في مجتمعاتنا. باتت هذه الحركات تبدو القوة المسيطرة في الشارع، وقوة المعارضة الأساسية. وهي تسعى إلى فرض الدولة الدينية تحت شعارات مثل «الإسلام هو الحل» و«القرآن دستورنا». وما من شك في أنّ هذا الإلحاح على الدولة الدينية يفرض التأكيد المضاعف للعلمنة. والأمر هنا لا يتعلّق بشكل الدولة فقط، بل يتعلق بخيار في التطور، أو في الصراع بين تكريس التخلف كما يظهر في برامج الحركات الأصولية، أو تجاوزه عبر بلورة مشروع بديل تكون العلمنة في جوهره.

ثم إنّ هذا التركيز على الدمقرطة والعلمنة يرتبط ثانياً بنشوء كيانات على أسس دينية، كما فعل الاستعماران الإنكليزي والفرنسي في كلّ من باكستان (سنة 1947) ولبنان (سنة 1946) والدولة الصهيونية (سنة 1948). جاء بناء الدولة «الجديدة» فيها على أساس ديني، أي تأليف دولة محددة مسبقاً على أنّها خاصة بدين معيّن (الإسلام في باكستان، والمسيحية في لبنان، واليهودية في فلسطين)، بغضّ النظر عن طبيعة البشر الذين يقطنون فيها. وهي دول خاضعة للتحديد الديني، والمرجعية الدينية، بغضّ النظر عن طبيعة التشريع المقرر فيها.

لهذا فإنّ الدولة الصهيونية هي «دولة اليهود»، ومرجعيتها التوراة، رغم أنّ قوانينها هي وضعية، من دون أن تتناقض مع مرجعيتها. وهنا تكون العلمنة هي من أجل تجاوز الدولة القائمة على الدين. وبالتالي فإنّ المشكلة الدينية من القضايا التي تحتاج إلى النضال لتجاوزها، ولتأتي العلمنة حلّاً لها في إطار الحل العام.
لكنّ المشكلة مع الدولة الصهيونية ليست في الطابع «اليهودي» للدولة فقط، فهذه نتاج المشكلة الجوهرية، وبالتالي هي فرعية في الحل. المشكلة الأساس يمكن تحديدها في سمتين.

الأولى، أنّ الدولة الصهيونية هي كيان استيطاني، قام على تصدير سيل من المهاجرين اليهود إلى فلسطين، بحجة الاضطهاد الذي يلاقونه في أوروبا، ثم بالإفادة من الهولوكوست. وبالتالي فقد باتت دولة يهودية الطابع، أقيمت عبر تهجير السكان الأصليين، وسلبهم أرضهم. لقد أحلّت دولة تعتمد على مهاجرين من دين محدد هو اليهودية محل مجتمع كان يتضمن كل الأديان. ولهذا فإن الطابع الاستيطاني هو الأساس هنا، ويكون الدين هو العنصر المستغلّ لتأسيس دولة قامت على الاستيطان. إذاً، الاستيطان واقتلاع الشعب الأصلي هما الجوهر، والدين عنصر عارض.

السمة الثانية هي أنّ قيام هذه الدولة جاء في إطار إستراتيجية إمبريالية، لم تتعلّق بفلسطين فقط، بل تعلقت بكل الوطن العربي، وترابطت مع تكريس التجزئة، لضمان استمرار تخلّف الأمة العربية وعجزها، بهدف نهب ثرواتها، ومنع تطورها. ونظرت الرأسماليات الأوروبية، وتنظر الرأسمالية الأميركية اليوم، إلى هؤلاء المستوطنين على أنهم جيش يخدم مشروع سيطرتها، وتحكّمها في واقع الوطن العربي، وآفاق تطوره. وبالتالي فهو كيان أداة في إطار مشروع أوسع. ولقد استُخدم الدين للتمويه على هذه الحقيقة.

وبهذا، فإذا كانت العلمانية تطرح حلّاً للمشكلة الدينية، فإنّ هذه تبدو جزئية في سياق مشروع أشمل، يقوم على مواجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني، وينطلق من إنهاء الدولة الصهيونية، في جزء من فتح الأفق لتحقيق التطور والوحدة والحداثة في الوطن العربي. ومن ثم يلحظ حلّاً ديموقراطياً للمستوطنين يقوم على التعايش في إطار دولة ديموقراطية تحقق المساواة بين المواطنين، وتحلّ المسألة الدينية عبر تحييدها. لكنّه حلّ يضمن حق العودة للّاجئين الفلسطينيين، وتسوية المشكلات التي تتعلّق بالملكية التي أوجدتها عملية السيطرة على الأرض والاستيطان، وكرّستها الدولة الصهيونية في قوانينها.

طبعاً هذا يعتمد على موازين القوى، لا بين الفلسطينيين والدولة الصهيونية، بل بين هذه بالترافق مع القوى الإمبريالية التي تفرض وجودها العسكري والمهيمن، وبين الوطن العربي. ويعتمد الموضوع كذلك على ميزان القوى العالمي بين قوى التحرر والاشتراكية وبين الإمبريالية، ما دامت الدولة الصهيونية جزءاً عضويّاً في المشروع الإمبريالي، وأداة له، بغض النظر عن الاستقلالية النسبية التي تحوزها.

المصدر: الأخبار

تجاوز الرأسماليّة

إذا كان التصوّر الذي حكم قطاعات من الشيوعيين بأنّ انهيار الرأسمالية ضرورة من أجل تحقيق الاشتراكية، فإنّ المسألة ستبدو أعقد من ذلك. لقد كان هذا الوعي الذي يتأسس على الانهيار في صلب مشكلات السياسة التي اتبعتها الحركة الشيوعية في الوطن العربي خصوصاً (وربما بالتحديد). كانت تسود المستوى المنهجي نزعتان: النزعة الميكانيكية والنزعة العفوية. لهذا، بدا أفق الاشتراكية ممكناً فقط بعد «تعفّن» الرأسمالية وانهيارها. وهو الأمر الذي جعل الشيوعيين مشدودين إلى الرأسمالية وحريصين على تحققها وتطورها بدل العمل على تجاوزها، «إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً». هذه هي السياسة التي حكمت رؤية الحركة الشيوعية في الوطن العربي منذ نهاية ثلاثينيات القرن العشرين، والتي جعلتها هامشاً بعدما كانت قوة هائلة حين كانت تبرز كقوة تغيير. وحوّلت هذه السياسة الحركة إلى ملحق بالبورجوازية الصغيرة بعدما كان بإمكانها أن تقود هي هذه الطبقة. لقد اعتقدت بأنّ عليها أن تدعم البورجوازية إلى حين تحقيق المهمات التي على هذه الطبقة أن تقوم بها: الصناعة، والحداثة، والدمقرطة. في المقابل، ارتبط تحقيق الاشتراكية في وعيها بانهيار الرأسمالية، أيّ أنّ هذه الطبقة سوف تحقق التطوّر ثم تنهار، وانهيارها هو من علائم تحقيق الاشتراكية، حين يحصد الشيوعيون النتائج. الآن، وعلى ضوء الأزمة التي تشهدها الرأسمالية، هناك من ينتظر «قطف ثمار» انهيارها. كما أنّ هناك من هو مرتعب من انهيارها، وكلا الطرفين هما من متخرّجي «الشيوعية السوفينية». لكن المشكلة هي في الانتظار، لأنّ الرأسمالية قادرة على التكيّف، وحتى فيما إذا فشلت لن يعني انهيارها انتصار بديل ما، إذا لم يكن مؤسساً وفاعلاً. وهنا ننتقل من الأزمة الاقتصادية إلى الصراع الطبقي. توسّع الأزمة الفئات المتضررة، وهو الأمر الذي يدفع إلى البحث عن سبل تطوير صراعها من أجل بديل ممكن، هو تجاوز الرأسمالية. بمعنى أنّ «قيمة» الأزمة تكمن في أنّها ربما تخلق حالة ثورية عبر توسيع الفئات المفقرة وزيادة نسبة البطالة، الأمر الذي يدفع فئات متزايدة إلى خوض الصراع الطبقي.
التاريخ يسير عكس نشاط الشيوعيين، فهو يفضي إلى انهيار الرأسمالية بينما هم يدعمون وجودها هنا لن يكون انهيار الرأسمالية عفوياً أو قدرياً، بل إنّ تجاوزها هو نتيجة فعل اليسار، نتيجة دور حقيقي في تطوير الصراع الطبقي من قبل اليسار. لهذا يجب أن نحدث قبل ذلك نقلة في التصور. ذاك التصور الذي يسكن وعي الشيوعية، الذي يؤسس وفق عقل ميكانيكي ورؤية عفوية للحظتين متنافرتين، لكنّهما تعتمدان في تحققهما على أمر آخر هو البورجوازية. هي لحظة التطوّر الرأسمالي، وبالتالي تأسيس الرؤية الشيوعية على ضرورة المراهنة على التطور الذي يجب أن تحققه البورجوازية، وأداء دور الداعم والمستشار والناقد (بخجل). وهنا سنلحظ بأنّ التحقق الفعلي هو من نشاط طبقة أخرى، وأنّ الدور الفعلي للشيوعيين هو الإسناد، أي أنّ الدور هنا هو ثانوي (كومبارس). واللحظة الأخرى هي لحظة انهيار الرأسمالية «بفعل تناقضاتها» وقفز هؤلاء «الرفاق» إلى السلطة لتحقيق الاشتراكية. وهم هنا لا يؤدّون دوراً في تصعيد تناقضات الرأسمالية، الدور الضروري لتجاوزها، على العكس يؤدّون دور الضابط لهذه التناقضات كي لا تتفاقم، لأنّ مهمتهم هي الدعم والإسناد كما كان يجري في الواقع. لكنّهم يستفيدون من انهيار الرأسمالية العفوي «الطبيعي» من أجل تحقيق الاشتراكية التي يكون الانهيار قد فرض تحققها عفوياً (أو عفو الخاطر).
إذاً، التاريخ يسير عكس نشاط الشيوعيين، فهو يفضي إلى انهيار الرأسمالية بينما هم يدعمون وجودها ويدافعون عن استمرار هذا الوجود. لكنّهم يكسبون في كلّ الأحوال، لأنّهم يحققون الاشتراكية. كيف، وهم دون برنامج اشتراكي، ولا رؤية لتحقيق الاشتراكية، وكلّ دعايتهم ونشاطهم يصبان في خدمة البورجوازية؟
يستطيع العقل الميكانيكي/ العفوي وحده أن يولف هذا التوليف. لهذا فشلوا، ولهذا أحفادهم (الذين هم الليبراليون الجدد) يقفون مرتعدين من انهيار الرأسمالية. هؤلاء كذلك لا يؤمنون بالصراع الطبقي، بل بالحتمية الاقتصادية. الحتمية التي تفرض تطوّر الرأسمالية ونضجها وصولاً إلى تعفنها، والتي كذلك تفضي إلى الاشتراكية. إنّ الأساس هنا هو ليس أزمات الرأسمالية، التي هي دورية، لكن في ما تعكسه على الطبقات، وبالتالي مفاقمتها للصراع الطبقي. هذه هي حدود الاقتصاد والأزمات الاقتصادية، بعدها يجب البحث في الصراع الطبقي. وأيضاً هنا يجب تجاوز العفوية والميكانيكية، إذ تفرض الحالة الثورية وجود القوى التي تطوّرها وفق استراتيجية واضحة من أجل التغيير، أيّ من أجل أن يتصاعد نضال الطبقات الشعبية بما يفضي إلى أن يفرض هذه الطبقات كقوة مهيمنة. في هذه الحالة يمكن تجاوز الرأسمالية. وهذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن عبرها الوصول إلى الاشتراكية. يعني ذلك أنّ تجاوز الرأسمالية يفترض الرؤية والإرادة والاستراتيجية ونضال الطبقات. والإرادة هنا ليست إقحاماً لما هو فوق الصراع في هذا الصراع، بل إنّها قرارات البشر في أن يغيّروا ظروفهم، لكن في شكل منظّم. قرارهم في أن يصبحوا قوة فاعلة من أجل أن يفرضوا مصالحهم. يعني ذلك أنّ الأزمة تعطي اليسار وضعاً يمكن أن يطوّر الصراع الطبقي إلى حدود تطيح الرأسمالية، وبالتالي يجب أن تطرح المهمات التي تطوّر من دور اليسار ومن فاعليته، في سياق تطوير الصراع ضد الرأسمالية من أجل تجاوزها. هذا الوضع يطرح للبحث وضع اليسار ذاته، وكيف يؤسس رؤيته بما يحوّله إلى قوة تغيير حقيقية، وفي أي أفق سيبني استراتيجيته؟ وهو الأمر الذي يفرض عليه تجاوز العقل الميكانيكي/ العفوي، وتجاوز المراهنات على تطوّر الرأسمالية، ووضعه لذاته كقيادة لنضال يهدف إلى تطوير الصراع الطبقي في أفق تجاوز الرأسمالية.
إذا كانت ثورة أكتوبر قد أعطت الأمل بأن بمقدور الفقراء أن يغيّروا ظروفهم، وفتحت الأفق لتحقيق هذا التغيير، وإذا كان هذا الأمل قد انتكس بانهيار النظم الاشتراكية وسعي الرأسمال لتسييد النمط الرأسمالي نهائياً كونه «نهاية التاريخ»، فإنّ الأزمة الراهنة للرأسمالية توضح بأنّه ليس للتاريخ نهاية، وأنّ الأمل ممكن، كان ولا يزال. وهذا هو الوضع الذي أعاد شبح الشيوعية، وأطلق الأحلام من جديد بعالم آخر يحقق العدالة والمساواة، متجاوزاً الرأسمالية بالضرورة. لقد عادت «الروح» إذاً، وعاد الأمل بأنّه يمكن تجاوز الرأسماليّة.

المصدر: الأخبار